[LCM Articles] the barber of beirut

Marc Haddad mhaddad at MIT.EDU
Wed Oct 10 09:16:27 EDT 2007


between the culture of death and the culture of asphalt and concrete...

http://www.yassardimocrati.com/article.php3?id_article=4147

حـــــــلاق بـــــــيـروت
الياس خوري
الاثنين 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2007
الاسم: خليل زوين.

المهنة: حلاّق في الجميزة في بيروت.

الحكم القضائي: الطرد من الدكان، وافراغ
محتوياته.

القضية: انتحار.

قالت المرأة انه انتحر بسبب الصحف. روت كيف
نجح المتمول في اثبات تهمة بيع الصحف عليه،
وهذا يخالف ايجار المحل الذي خُصِّص
للحلاقة، فتمّ استصدار قرار يجبر الحلاّق
على اخلاء الدكان من دون تعويض!

قال رجل يقف امام الدكان، ان الحلاّق اصيب بما
يشبه الانهيار العصبي، فالرجل الذي يعمل في
دكانه الصغير منذ اعوام لا تحصى، وجد نفسه
امام تعقيدات الاحكام القضائية، وامام تهمة
لا يستطيع ردّها، فقرر الانتحار.

"يا لطيف"، قالت امرأة تقف امام الدكان، بينما
عمدت عناصر امنية الى تفريغ المحل من
محتوياته، انفاذاً لحكم قضائي. "عم بيفضّوا
المحل هلّق قبل الدفن، العمى ينطروا حتى
نقبره وبعدين يعملوا يللي بدّهم".

"ما حمله راسه، يللي حمل روس الناس ستين سنة،
تقلت الدنيا عليه وانتحر"، قال رجل يقف امام
محطة الوقود المواجهة لدكان الحلاقة، "هنا
وقف الرجل في يومه الأخير يبيع الصحف وينظر
الى الدكان، قبل ان يعود الى منزله في منطقة
الدفوني في الأشرفية، ويطلق على نفسه رصاصة
من مسدس عيار 9 ملم، ويموت".

من قتل حلاّق بيروت؟

رجل يحمل العمر على كتفيه المنحنيتين، يعمل
حلاّقا رجاليا في الجميزة، يعرفه الجميع
لأنه صار احد معالم المنطقة، يجد نفسه وحيدا،
فيلجأ الى الموت، لأن الابراج العشرة التي
ستعلو في الجميزة، لا ترحم، ولا تبالي بحكاية
رجل صغير يعيش على هامش المدينة.

كان في مقدور خليل زوين ان يقول لهم ان الهامش
هو المدينة الحقيقية، وان دكانه الذي لا
يساوي شيئا في حساب الاغنياء الجدد الذين
يراكمون الثروات المليئة برائحة النفط،
يساوي بيروت، التي لا ثمن لها، لأنها لا تباع.

لكن الرجل لم يقل شيئاً، فهذا الكلام يصلح
للأدب لكنه لا يصلح للحياة، لذا انزوى، وقرر
ان يموت انتحارا.

لن اسأل لماذا يصلح هذا الكلام للأدب فقط،
لأني اعرف الجواب، واعرف انكم تعرفون ان
مجتمعا لا يستطيع الاستماع الى هذا الكلام،
يكون حكم على نفسه بالموت.

مات الرجل ودُفن وحيدا وغريبا. اغراض المحل
أُخذت الى احد المخافر، ولن يطالب احد بها،
والذاكرة ستمّحي، كما امحت ذاكرات كثيرة
صارت ردما في مكبّ النورماندي، وتحولت اليوم
شوارع وساحات فسيحة.

ماذا فعل خليل زوين في الساعات الاربع
والعشرين التي سبقت انتحاره؟

عاد الى منزله في المساء، جلس وحيدا على
الشرفة الصغيرة التي تطل على الشارع. طلعت
رائحة البن في ذاكرته، اشتهى القهوة التي لم
يشربها منذ الصباح، ذهب الى المطبخ، اعدّ
ركوة قهوة، صبّ القهوة في الفنجان، وعاد بها
الى الشرفة.

شرب قليلا، لكنه لم يستسغ الطعم، شعر ان
القهوة تسقط كالرصاص في معدته، وانه لا يحب
طعمها، يحب الرائحة فقط. وتذكّر امه التي
كانت في ايامها الأخيرة تشتهي الطعام، وحين
يأتونها به تشمّ رائحته ولا تأكل. يومذاك فهم
ان انفصال الرائحة عن الطعم هو بداية الموت.
شعر بالخوف، نهض الى قنينة ماء الزهر، رشّ
قليلا منها فوق فنجان القهوة، وحاول ان يشرب،
فلم يستطع، فقرر ان ينام.

نهض في الصباح، شرب قطرة من القهوة البائتة،
وهرع الى محطة البنزين، وقف يبيع الصحف
ويتفرج على المكان المقفل. وقف ولم يشعر
بمرور الزمن، مرّ كثيرون وتكلموا معه، لكنه
لا يذكر شيئا من كلامهم. من المرجّح انهم
قالوا جميعا عبارات المواساة نفسها، لكن
خليل زوين لم يفهم شيئا. احس بالجوع لكن فكرة
ان يأكل جعلته يشعر بالغثيان. مضى الى بيته،
فتح البراد، وجد تفاحة قضم منها مرة واحدة،
تشمّم رائحتها، قبل ان يعيدها الى البراد،
ويفتح الخزانة الخشبية، يأخذ مسدسه الصغير،
يجلس على الكنبة ويطلق النار على رأسه.

سوف يُطوى ملف التحقيق في انتحار الحلاّق،
ولن نسأل من قتل خليل زوين، وسننتظر بزوغ
عشرة ابراج في الجميزة، التي تعتبر منطقة
تراثية. وعندما يحتل الباطون الأفق سوف ننسى
حكاية رجل فقير، امضى حياته في قص شعر
زبائنه، وخالف القانون بأن باع بعض الصحف في
دكانه، مما سهّل مهمة الحيتان المالية،
فأخرجت الرجل المسكين من دكانه من دون تعويض.

يبدو ان اصحاب مشاريع الابراج في الجميزة
نجحوا في استصدار موافقة التنظيم المدني وفي
الحصول على رخص البناء، على الرغم من كل
التحفظات. لا اريد الدخول في التفاصيل
الادارية للابراج لأني لا اعرفها، غير ان ما
يثير فعلا، هو الاستلشاق المتمادي بالمدينة،
الى درجة انه صار من الضروري خوض معركة الدفاع
عن كل بيت بمفرده. المسألة ليست صراعا بين
إعمار رأسمالي ناهض ونوستالجيا الى الماضي،
حيث كانت بيروت مدينة - حديقة، مثلما يقول
المضاربون العقاريون، بل هي معركة الدفاع عن
الحياة وعن حقوق الناس.

خليل زوين انتحر لأنه قُتل، والقاتل يختبئ
خلف القانون كي يزوّره. الكثير من الحلاّقين
في الاحياء الشعبية يبيعون الصحف، وفي
الماضي كانوا يعالجون الاسنان، وبعضهم كان
يطهّر الاطفال. لا شك ان الذي اصدر حكم
الاعدام على خليل زوين يعرف ذلك، لكنه تجاهل
ما يعرفه كي يعبد اله المال .

خليل زوين كان الضحية الاولى لتشويه الجميزة،
والقضاء على احد اجمل احياء بيروت.

لم يعد لبنان يجد مكانا لأمثال خليل زوين،
فدفع به الى الموت، وانطوت حكاية هذا الموت
الصغير، في انتظار موت كبير يلوح في الأفق.

جريدة النهار





More information about the Lebanon-Articles mailing list